مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الأربعاء، ١٢ مارس ٢٠٠٨

فهمي هويدي يكتب: مفاجآت أسبوع ساخن 3/11/2008


مفاجآت أسبوع ساخن
شاء ربك أن ينقلب السحر علي الساحر‏‏ إذ ما أن أسدل الستار علي مشهد المحرقة في غزة حتي توالت المفاجآت التي ردت الروح للضحايا‏‏ وفضحت مخططات التآمر علي المقاومة‏.‏ ‏
1_بعدما انتهت يوم الاثنين قبل الماضي‏(3/3)‏ المرحلة الأولي من حملة الشتاء الساخن التي شنها الإسرائيليون علي غزة‏‏ كانت المفاجأة أن التعليقات والتحليلات التي نشرتها الصحف العبرية أعربت عن الشعور بخيبة الأمل لأن العملية لم تحقق هدفها‏‏ بالتالي فإنها كانت حفلا دمويا بأكثر مما كانت إنجازا عسكريا‏‏
وكان الدليل الماثل في أذهان الجميع أن إطلاق الصواريخ استمر بمعدل تراوح بين‏40‏ و‏50‏ صاروخا يوميا أثناء الحملة وبعدها‏‏ وهو ما دعا أحد الكتاب الإسرائيليين ـ امير تسورياـ إلي القول بأن العملية فشلت بكل المقاييس‏‏ وعلي حد تعبيره فإن القوات الإسرائيلية كما دخلت خرجت‏‏
أضاف في هذا الصدد قوله‏:‏ إن التجربة أثبتت أن الجيش الإسرائيلي الذي اعتاد علي القيام بضربات سريعة غير مستعد لخوض قتال طويل في المناطق المأهولة بالسكان‏.‏
في نفس اليوم الأربعاء‏3/5‏ قال بن كاسبيت في صحيفة معاريف ان المقاومة الفلسطينية عرفت كيف تتعامل مع السلاح الإسرائيلي‏‏ ومن ثم أصبحت قادرة علي استنزاف الجيش الإسرائيلي من خلال المناورة وإملاء قواعد اللعبة عليه‏.‏
الصحفي كوبي نيفالي تحدث عن فشل الجيش في تحقيق الأهداف الأربعة التي حددها وزير الحرب ايهود باراك والتي حصرها في إسكات صواريخ القسام‏‏ ووقف تهريب السلاح عبر محور فلاديلفيا‏‏ وإضعاف حكم حماس وإسقاطه‏‏ واستكمال فك الارتباط مع قطاع غزة‏‏ قال ان هذه كلها أهداف حيوية‏‏ لكن ثبت انه لا يمكن تحقيقها علي أرض الواقع‏‏ وهو يسخر من باراك قال ان فك الارتباط مع غزة لا يتم إلا بعملية بتر عميق تقطع قطاع غزة من قلب الكرة الأرضية‏‏ ثم تضعه في جزيرة تعبر قناة السويس نحو المحيط الهندي لغرسها في مكان بين الهند وتايلاند‏.‏
صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت عن البروفيسور مناحيم كلاين من جامعة بار إيلان في تل أبيب انتقاده لغياب التفكير الاستراتيجي في حملة الجيش علي القطاع‏‏ وقوله إن إسرائيل تتصرف كعملاق أعمي يضرب بقوة دون هدف سياسي‏.‏
وكانت نتيجة ذلك أنها لم توقف إطلاق الصواريخ في حين أضعفت محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بشكل كبير‏‏ فضلا عن أنها أثبتت أنها لا تفهم الفلسطينيين‏‏ ايمانويل سيفان المهتمة بقضايا الاستشراف قالت في حوار بثته القناة العاشرة ان حسم مسألة الصواريخ عسكريا غير ممكن‏‏ وانه لا بديل عن التفاهم المباشر مع حركة حماس لإيقافها‏‏ وهذه الفكرة أيدها رئيس الشاباك السابق عامي ايلون‏‏ ويولي تامير وزيرة التعليم في الحكومة الحالية التي قالت ان الوضع في جنوب البلاد أصبح لا يطاق نتيجة استمرار إطلاق الصواريخ‏‏ الأمر الذي يبرز أهمية التفاهم والحوار المباشر مع حماس لإيقافها‏.‏ ‏ ‏
2_لأن حفلة الدم التي تمت في القطاع خلفت‏120‏ شهيدا فلسطينيا‏‏ وأصابت أكثر من‏350‏ جريحا‏‏ فقد كان الرد في القدس مفاجأة أخري خلفت‏7‏ قتلي إسرائيليين و‏35‏ جريحا‏.‏
ولم تكن عملية القدس هي التعبير الوحيد عن الثأر الفلسطيني لأنه في صبيحة اليوم الذي تمت فيه العملية‏(‏ الخميس‏3/6)‏ ومن أعماق بحر الدم الذي أغرقت فيه غزة خرجت مجموعة من شباب حركة الجهاد لتنصب كمينا لدورية إسرائيلية‏‏ أسفر عن قتل جندي وجرح ثلاثة‏‏ الأمر الذي أدي إلي تدخل الطيران الإسرائيلي واستخدامه الصواريخ التي قتلت المجاهدين الأربعة‏.‏
عملية القدس استأثرت بالاهتمام الأكبر لأسباب عدة‏.‏ منها انها وقعت في قلب إسرائيل وأن ضحاياها عددهم كبير نسبيا‏‏ ولأنها الأولي من نوعها منذ أربع سنوات ولأن منفذها علاء هاشم أبو دهيم‏(25‏ عاما‏)‏ استطاع ان يخترق عشرات الحواجز العسكرية بسلاحه وذخيرته‏‏ وأن يدخل إلي مقر المعهد الديني والعسكري مستفيدا من معلوماته التي حصلها منذ عمل سائقا بها‏.‏
العملية أحدثت صدمة في الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية التي شغلت بالإجابة عن سؤالين هما‏:‏ ما هي الجهة التي وقفت وراء الفاعل وكيف وصل إلي هدفه‏(‏ معهد مركاز هراف‏).‏
حتي كتابة هذه السطور لم يتم تحديد الجهة التي تبنت العملية‏‏ وفي حين تضاربت الأنباء حول مسئولية حركة حماس عنها‏‏ فبعد إعلان ذلك‏‏ نفي الخبر المتحدث باسم جناحها العسكري‏ (كتائب القسام‏).‏
في وقت لاحق ذكر موقع صحيفة ها أرتس الالكتروني يوم الجمعة ‏3/7‏ ان الشبهات تدور حول دور لحزب الله اللبناني في العملية‏‏ وأشار تقريرها إلي أحد الفلسطينيين محمد شدا‏)‏ معتبرا انه قد يكون حلقة الوصل بين الحزب وبين منفذ العملية‏.‏
يوم الخميس‏3/6‏ بث موقع قناة الجزيرة نت تقريرا من غزة حول الدراسات الإسرائيلية التي أجريت حول خبرة الفدائيين الفلسطينيين في عملية التمويه والتخفي‏‏ التي مكنتهم من الوصول إلي أهدافهم‏‏ فبطل العملية الأخيرة تنكر في زي وهيأة طلاب المعهد الديني‏‏ ومنفذ عملية فندق بارك في مدينة نتانيا الشهيد عبد الباسط عودة ارتدي ملابس نسائية كاملة‏‏ من تلك التي تميز نساء المستوطنين‏.‏
والشهيد سعيد الحوتري الذي نفذ عملية الدولفيناريوم في تل أبيت ارتدي ملابس شباب الفرق الموسيقية‏‏ وحمل حزامه الناسف في داخل جيتار وهمي حمله علي كتفه‏.‏
وفي تقرير بثته وكالة الأنباء الفرنسية حول الموضوع‏‏ ذكرت أن القسم الاجتماعي التابع للشرطة الإسرائيلية قام بتوزيع نشرة علي الإسرائيليين لتنبيههم إلي معالم الفدائي الذي يتعين ملاحظتها‏‏ ومنها أنه عادة ما يصبغ شعره باللون الأشقر‏‏ ويضع حلقا في أذنه‏‏ ويرتدي الزى العسكري‏‏ أو القبعة الدينية اليهودية وهو ما حدث في حالة هاشم أبو دهيم منفذ عملية القدس الأخيرة‏.‏
إنهم في إسرائيل يبذلون جهدهم لطرح مختلف الأسئلة التي تتعلق بالعمليات الاستشهادية‏‏ لكنهم لا يتطرقون إلي سؤال واحد هو‏:‏ لماذا يقدم عليها الفلسطينيون؟‏..‏ ويكتفون في ذلك بتسويق مقولة ساذجة وغبية‏‏ اختزلت دوافعهم في أنهم إرهابيون‏!.‏ ‏ ‏
3_في‏2007/6/19‏ كتبت مقالا تحت عنوان محاولة لفهم ماجري في غزة‏‏ طرحت في مستهله السؤال التالي‏:‏ هل الذي حدث في غزة انقلاب أم انه اجهاض لانقلاب؟ ومن خلاله عرضت لمجموعة من الوثائق والشهادات التي دلت علي أن الحوادث التي تلاحقت في القطاع‏‏ خصوصا ماتعلق منها بإشاعة الفلتان الأمني‏‏ لم تكن مصادفات أو تفاعلات وقتية‏‏ ولكن التدبير والتخطيط السابقين لها كانا واضحين‏‏ وقتذاك‏‏ قبل أكثر من ثمانية أشهر‏‏ تشكك البعض في معلومات المقال‏‏ استسهل البعض تصنيفها بحسبانها تعبيرا عن موقف أيديولوجي‏.‏
المفاجأة أطلقتها قبل أيام مجلة فانيتي فير الأمريكية الشهرية‏‏ التي نشرت في عدد إبريل تقريرا ضافيا أجاب بصراحة عن السؤال الذي ألقيته‏‏ ولأن كاتب التقرير ديفيد روز يتعذر اتهامه بالتعاطف الإيديولوجي‏‏ فربما كانت شهادته مبرأة من الشبهات‏‏ الأمر الذي يدعونا إلي تلخيصها في الظرف الراهن‏ لأنها تسلط أضواء قوية علي الجانب المسكوت عليه في الصراع الدائر علي أرض فلسطين‏.‏
من أبرز النقاط التي أوردها الكاتب في تقريره المثير الذي جاء في‏8000‏ كلمة مايلي‏: ‏ إنه حصل علي وثائق تكشف عن وجود خطة سرية وافق عليها الرئيس بوش‏‏ وتولي تنفيذها كل من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية ونائب مستشار الأمن القومي اليوت ابرامز لإثارة حرب أهلية فلسطينية‏‏ تؤدي إلي إفشال حكومة حركة المقاومة الإسلامية وإسقاطها‏.‏ ‏ إن الطرف الفلسطيني الذي تم التعويل عليه في تنفيذ الخطة هو محمد دحلان الذي تم تزويد جهاز الأمن الوقائي التابع له بأسلحة جديدة بناء علي طلب أمريكي‏‏ بحيث تتولي عناصر ذلك الجهاز - الذي طلبت واشنطن من أربع دول عربية تدريبهم لرفع كفاءتهم - إشاعة الفوضى في القطاع وتفجير الموقف الداخلي في مواجهة الحكومة‏.‏
وقد امتدح الرئيس بوش دحلان علنا في عام‏2003‏ قائلا‏:‏ إنه قائد جيد وصارم‏‏ وقال مسئولون أمريكيون سرا إن الرئيس وصف دحلان قائلا‏:‏ هذا رجلنا‏.‏ ‏ إن ديفيد وورمسير الذي كان كبير مستشاري نائب الرئيس ديك تشيني واستقال قبل أشهر اتهم إدارة بوش بالمشاركة في حرب قذرة من أجل تقديم انتصار لوضع فاسد كان قائما‏‏ وهو يؤكد أن حماس لم تكن لديها نية السيطرة علي غزة‏‏ حتي أجبرتها قيادة فتح علي ذلك‏‏ كما يؤكد أن ما جري لم يكن انقلابا من جانب حماس‏‏ و إنما كان انقلابا من حركة فتح تم إجهاضه قبل أن يحدث‏.‏ ‏ إن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بعثت بأكثر من رسالة وإنذار للرئيس محمود عباس تدعوه صراحة إلي إعطاء مهلة لحكومة حماس لتقبل بمباديء الرباعية الدولية‏‏ وإذا لم توافق علي ذلك خلال المهلة‏‏ فيجب أن تعلن حالة الطوارئ‏‏ وتشكل حكومة طوارئ تلتزم بموقف الرباعية‏‏ وبقية القصة معروفة بعد ذلك‏.‏ ‏
4_ماالذي تعنيه هذه المفاجآت المتلاحقة؟ إجابتي أنها تعني أن الصراع الذي انفجر عام ‏1948‏ لم ينته‏‏ ولا يزال مفتوحا علي كل الاحتمالات‏‏ وأن إسرائيل مستعدة لأن تذهب إلي أبعد مدي يخطر علي البال لكسر إرادة الفلسطينيين وتركيعهم‏‏ وفي الوقت ذاته فإنه يعني أيضا أن الإرادة الفلسطينية الحديدية مازالت عصية علي الانكسار‏‏ ومصرة علي التحدي‏‏ كما انها لن تعدم حيلة في نقل الوجع إلي إسرائيل‏.‏ وهذه الإرادة أكبر من حماس وفتح‏‏ وأكبر من القطاع والضفة‏‏ لأنها كامنة في ضمير كل فلسطيني‏.
أخيرا فإنها تعني أن الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في قلب الصراع‏‏ وفي اصطفاف كامل مع الموقف الإسرائيلي‏‏ بالتالي فإن كل تدخل لها يظل محكوما بطبيعة تلك العلاقة‏‏ وكل مراهنة عليها أو حتي إحسان للظن بها هو خداع للنفس وتعلق بالسراب‏.‏
أدري أن هذا الكلام ليس جديدا‏‏ لكن المشكلة أن ذاكرتنا السياسية أصابها الوهن الذي أصاب أصحاب قدراتنا السياسية والعسكرية‏‏ لذلك من المهم أن نستعيده ونذكر به بين الحين والآخر‏‏ عل الذكري تنفع المؤمنين‏.