مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الأحد، ٢٣ مارس ٢٠٠٨

أبعاد عملية التهدئة فى فلسطين


22/3/2008 م

السفير د. عبدالله الأشعل
يقصد بالتهدئة فى فلسطين أمران مختلفان الأمر الأول, من وجهة نظر إسرائيل ويقصد بها أن تكف المنظمات الفلسطينية الفدائية عن التصدى للعدوان الإسرائيلى وتعطيل المشروع الصهيونى بكل الطرق سواء عن طريق المقاومة السياسية أو المقاومة المسلحة. الأمر الثانى, من وجهة نظر المقاومة وتعنى التهدئة الالتزام المتبادل بينها وبين إسرائيل بهدنه تتوقف خلالها كافة الأعمال العسكرية من الجانبين. وقد حاولت إسرائيل أن تتلاعب بمفهوم التهدئة فزعمت أنه لا يجوز الاتفاق على تهدئة مع الإرهاب, وإنما التهدئة من جانب الإرهابيين هو ثمن الإبقاء على حياتهم, وقد شجعت الولايات المتحدة مصر وإسرائيل على التوصل إلى مثل هذه التهدئة مع الجانب الفلسطينى لعل هذا الاتفاق يؤدى إلى وقف الصواريخ الفلسطينية ضد إسرائيل. ولما كانت هذه الصواريخ محدودة الأثر وهى مجرد رمز المقاومة فإن إسرائيل قد حاولت استغلالها أخلاقياً وذلك بالزعم بأهميتها البالغة وخطورتها الفائقة, وحاولت أن تبرر بها أعمال الإبادة والمحرقة التى نفذتها فى غزة, وتظاهرت بأن هذه الصواريخ هى السبب الوحيد للأعمال الإسرائيلية وهذه مناورة واضحة لأن إسرائيل تقوم بأعمال إبادة على أى حال حتى قبل أن تظهر هذه الصواريخ, وهى لاتحتاج إلى أى ذريعة أو مبرر. ترتب على ما تقدم أن التهدئة حتى بالمعنى الفلسطينى قد تعنى الإبقاء على حياة الفلسطينيين, ولهذه النتيجة جانبان متناقضان: الجانب الأول, من زاوية إسرائيل فإن التهدئة تعنى توقف أعمال الاغتيال اليومية ومظاهر الإبادة لكل جوانب الحياة وفقا لمخطط المشروع الصهيونى وهذا أمر غير ممكن لأن المشروع يقوم فى جوهره على إبادة السكان واستخلاص الأرض لليهود.
أما النتيجة الأخرى الخطيرة فهى أن التهدئة تعنى توقف المقاومة مع استمرار برنامج الإبادة الإسرائيلية خصوصاً فيما يتعلق بالقضاء على رموز المقاومة بشكل منهجى ومنظم, أى أن التهدئة تعنى استمرار الاحتلال والمشروع وهى طريقة جديدة من طرق وقف المقاومة.
الخلاصة أن التهدئة مصطلح جديد دخل قاموس المصطلحات فى الصراع العربى الإسرائيلى, ولكن القواعد الأساسية واحدة وهى إصرار إسرائيل على إزالة كل معوقات انطلاق مشروعها. وعلى الجانب الآخر, يحاول الفلسطينيون إنقاذ السكان وفى نفس الوقت التعبير عن رفضهم لهذا المشروع. ونظراً لما يحيط بالساحة العربية من تعقيدات, ولأن اقتراح التهدئة قدمته وزيرة الخارجية الأمريكية, فقد اكتسب هذا المصطلح سمعة سيئة بحيث أن الأطراف التى تتحدث عن التهدئة إما أنها تريد حقن دماء الفلسطينيين فعلاً, وإما أنها تريد تقديم غطاء للأعمال الإسرائيلية واستخدام هذا المصطلح كمخدر لتحقيق هذا الغرض. ومعلوم أن حماس سبق أن التزمت بهدنة من طرف واحد لأكثر من عام ونصف ولكن أعمال الإبادة الإسرائيلية لم تتوقف. وعلى أية حال فإن التهدئة المتبادلة بأى معنى يمكن أن تكون مفيدة للطرف الفلسطينى ليلتقط أنفاسه, ولكنها مؤشر على رغبة إسرائيل فى التفرغ لساحات أخرى.