مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الأربعاء، ١٩ مارس ٢٠٠٨

الديمقراطية على الطريقة المصرية



د. نهى الزيني : بتاريخ 17 - 3 - 2008
كانت أحلى أيام طفولتنا تلك التي توافق الأعياد والمناسبات الرسمية حيث نحصل على إجازة مدرسية غير نمطية لنجتمع في أحد بيوت كبار العائلة تضمنا الحديقة الواسعة بناتاً وبنين فنلهو بألعاب مشتركة أحياناً وفي الغالب كان للبنات لهوهن الهادئ وللأولاد ملعبهم الذي يتشاغبون فيه ويتعاركون .وفي أحد الأيام التي تجمّع فيها عدد كبير من أطفال العائلة والأصدقاء خطر لنا أن نلعب مباراة لكرة القدم على أن ننقسم إلى فريقين أحدهما للبنات والآخر للأولاد ، ورغم ممارستي لعدة رياضات وقتها إلا أنني لم أكن قد شاركت قبلاً في لعبة كرة القدم التي اعتاد الأولاد ممارستها دون البنات لذا فقد راقت لي الفكرة كما راقت لصاحباتي .منذ الدقائق الأولى للمباراة تبين لنا الفارق الهائل بين مهارتنا في اللعب ومهارة الأولاد ، فقد بدأت الأهداف تجتاح مرمانا المكون من قالبين من الطوب تقف وسطهما طفلة صغيرة تتلقى ضربات الكرة العنيفة التي تصيب جسدها الناحل ورأسها أحياناً في طريقها للاستقرار داخل مرمانا بين صيحات النصر من فريق الأولاد وصرخات الاحتجاج منا ، ولم يخطر ببالنا وقتها أن السبب في كثرة الهزائم التي منينا بها هو تلك الخبرة المتراكمة لدى الأولاد نتيجة ممارستهم هذه اللعبة طوال الوقت حتى في الشوارع بينما لاتملك إحدانا أية خبرة في هذا المجال ، لذا فقد بدأنا نفكر في حل يحفظ علينا كرامتنا التي ستجرحها بلا شك فضيحة هزيمتنا أمام الأولاد ، ولقد جربنا بالفعل كل الحلول الممكنة : ففي البداية ادعينا أن "الحَكم" منحاز لكونه صبياً وطالبنا بإسناد تحكيم المباراة لفتاة وهو ماحدث بالفعل ، ثم قمنا بتغيير حارسة المرمى فوضعنا صاحبتنا البدينة لكي تقلل ما أمكن من مساحة المرمى ولكي يتحمل جسدها القوي الضربات العنيفة المسددة من الفريق المنافس ، إلا أن الأهداف توالت على مرمانا دون هوادة وفي كل مرة كنا نتصايح مطالبات بإلغاء الشوط والبدء من جديد ، إلا أن شيئاً لم يتغير ولاحت لنا النهاية المحتومة والفضيحة المدوية فاتفقنا على تأجيل اللعب لما بعد الغداء على أن تقام بيننا مباراة وحيدة حاسمة يتحدد فيها مصيرنا النهائي .أثناء فترة الغداء تحلقنا نحن البنات في مكان قصي للتشاور واقترحت إحداناً خطة تحمسنا لها جميعاً بلا تردد ، وحين بدأت المباراة كنا قد وزعنا الأدوار بعناية لتحقيق هدفنا في الفوز على الأولاد فاستبدلنا حارسة المرمى البدينة لكي تقوم بدور أكثر أهمية واستعدت الهدافات – وكنت منهن – وفي اللحظة الحاسمة قامت صديقتنا البدينة بالهجوم على حارس مرمى الأولاد فأوقعته أرضاً وشلت حركته تماماً وبينما يصيح ويستغيث بلا مغيث بدأنا في تسديد الكرة داخل المرمى الفارغ وتوالت الأهداف حتى أذكر أنني وحدي أحرزت خمسة أهداف متتالية بلا أدنى مجهود .انتهت المباراة الحاسمة لصالحنا بالطبع وتقافزت البنات صائحات بالنصر ثم عدونا حيث مجلس عائلتنا لنعلن لهم " انتصار البنات على الأولاد" في مباراة كرة القدم ، وأخذنا نتلقى التهاني وعبارات الإعجاب غير عابئات باعتراض الأولاد واتهامهم لنا بالنصب والاحتيال .من أعماق تلافيف الذاكرة قفزت أمامي تلك الذكريات البعيدة وأنا أتابع حكومة الحزب الوطني في مباراتها الأخيرة مع الإخوان ، فالحكومة الافتراضية الهابطة على الوطن بالباراشوت لم تدرك أن نجاح الإخوان في لعبة الانتخابات إنما يرجع إلى خبرتهم بالعمل الميداني وأنهم مارسوا هذه اللعبة طويلاً في الشارع وليس داخل المكاتب وقاعات الاجتماع وبتجميع منهجي للأنصار وليس بشراء الأصوات واستئجار البلطجية وبودي جاردز رجال أعمال العصر وهو مامكنهم من الحصول على 88 مقعد في الانتخابات التشريعية الماضية رغم عمليات التزوير التي رجّع الإعلام صداها داخلياً وخارجياً، ثم استمرت محاولات التلاعب فأجري تعديل دستوري بهدف تغيير "حكام" المباراة باعتبارهم منحازين للإخوان حيث اكتشف عريفة الحزب فجأة ودون مقدمات أن قضاة مصر ماهم إلا عناصر إخوانية معادية ماداموا قد رفضوا التزوير لصالح حزبها الأوحد ، إلا أن خوف الهزيمة ظل رغم كل ذلك يتخايل لعيون فريق الوطني ... لذا فقد قرر نظام ديمقراطية الحزب الواحد أن تهاجم وزارته البدينة حارس مرمى الفريق المنافس لتشل حركته بينما يحرز هو أهدافه في انتخابات المحليات بلا تعويق فكانت حملة الاعتقالات التي طالت الألوف دون تمييز ثم جاءت الممارسات العجيبة التي لم يُسمع بمثلها منذ نشأت فكرة الديمقراطية في أثينا القديمة كخطف أوراق المرشحين لمنعهم من التقدم بها وامتناع وزارة الداخلية عن استخراج صحائف الأحوال لهم واصطناع طوابير وهمية لتضييع الوقت دون أن يتمكن المرشحون من الوصول، إلى غير ذلك من الألاعيب التي تجعل الحزب "الواحد" هو المنافس "الوحيد" لنفسه .تتداعى أمامي متداخلة مع مهزلة المحليات الأخيرة صورة صديق الطفولة حارس مرمى الأولاد وهو يستغيث ويئن تحت ثقل صاحبتنا ، غير أن الشئ الذي لم أذكره لكم بعد أن تلك المباراة كانت مباراة كرة القدم الأولى والأخيرة التي لعبتها طوال حياتي فقد شعرت بعد ذلك الفوز الهزلي لفريق البنات بنوع من وخز الضمير فقررت "الاعتزال" ، فهل يفعلها يوماً نظام ديمقراطية الحزب الواحد ؟