مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الاثنين، ٤ فبراير ٢٠٠٨

عزيز صدقي.. عملاق في زمن الصغار د. عصام العريان



03 / 02 / 2008
جلست في عزاء الأستاذ الدكتور عزيز صدقي (رئيس وزراء مصر الأسبق) أتأمل وجوه الحاضرين، وأستمع إلى آيات الذكر الحكيم من أواخر سورة الحجر، يتلوها قارئٌ حسَنُ الصوت، وهي تُوصي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ (الحجر: من الآية 94)، وتثبِّته ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)﴾ (الحجر)، وأتأمَّل في سيرة حياة ذلك الرجل العظيم الذي فقدته مصر منذ أيام.
عرفت ذلك الرجل العظيم بُعَيْدَ تأسيس الجبهة الوطنية للتغيير، وقد كان ميلاد الجبهة- وأنا رهن السجن في مزرعة طرة- بمبادرة شجاعةٍ من الرجل الفقيد العظيم، الذي رأى الأوضاع المتردية في مصر، وحجم الفساد، والإفساد، وأن المخرج الوحيد هو جمع كل القوى الوطنية في جبهة واحدة لمواجهة النظام الذي امتلك السلطة، والثروة، وأفسد الحياة السياسية والحياة الاقتصادية، وأفقر المصريين واضطرهم إلى الهجرة على قوارب الموت إلى الشاطئ الآخر من الحياة.

رأيت في مجلس العزاء وزراء أوفياء من زمن بَعيد عملوا مع الدكتور عزيز صدقي؛ مثل د. يحيى الجمل، ود. أحمد كمال أبو المجد، أو احتكُّوا به عن قرب وهو في بؤرة الأضواء؛ مثل د. إبراهيم بدران، والمهندس الكفراوي، ورأيت وزراء حاليِّين جاءوا على استحياء بعد أن تغيَّبوا عن الجنازة العسكرية التي منعت آلاف المصريين من أبناء الشعب المصري من المشاركة الشعبية، وهمَس جاري في أذني، وهو يتصفَّح وجوه بعض الحاضرين: إن د. عزيز صدقي- رحمه الله- لو كان حيًّا لبصق في وجوه بعض من حضر العزاء.

هذا رجل علَّمَنا معنى حب الوطن، وكان أنموذجًا للعطاء حتى آخر نفَس في حياته.. لقد تعرَّض د. عزيز لموجة من الهجوم من الذين أزعجهم حضورُه الشعبي والسياسي، وسعيُه الحثيث لتوحيد القوى المعارضة للنظام في جبهة واحدة، ومشاركته الواسعة في المؤتمرات والندوات والفعاليات الشعبية ضد الفساد وضد الاستبداد، ومطالبًا بالديمقراطية والشفافية والمساءلة والمحاسبة.. لم يزحزحه الهجوم القاسي- الذي تحوَّل إلى سبٍّ وشتْمٍ وقذفٍ- عن مواصلة العمل الوطني، والمشاركة الإيجابية.

عندما ولدتُّ كان د. عزيز صدقي يتهيَّأ بعد حصوله على الدرجات العلمية العالية لتبوُّؤ الوزارة؛ ليصبح من أصغر أعضاء مجالس الوزارات في ذلك الزمان، وعندما شببتُ عن الطوق وصِرتُ صبيًّا كان الفقيد يعمل في إطار خطة واضحة المعالم للتصنيع في مصر، ويُنشئ عشرات المصانع في كافة المجالات من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية، حوَّلت مجرى الحياة تمامًا.

وخلال لقاءاتنا المتواصلة في إطار الجبهة الوطنية للتغيير، وفي كل الندوات والمؤتمرات التي شارك فيها، كان جلّ تعليقه يتَّسم بمرارة واضحة؛ بسبب خطة البيع التي تتبنَّاها الحكومات الحالية لهذه المصانع التي كان يعتبرها مثل أولاده، ويتمنَّى لو كان رحل عن الحياة قبل أن يشهد ذلك اليوم الذي يتمُّ فيه إهدار جهود أجيال بنَت لمصر قاعدةً صناعيةً في سفَهٍ عجيب، ودون خطة واضحة، وليست للصالح العام، بل استجابةً انهزاميةً لمطالب، وأوامر القوى الكبرى، وبإهدار لحصيلة البيع الذي يتم دون شفافية؛ مما أدى إلى سرقات ونهب لثروات مصر، ومن هنا ارتبط في عقله الفساد مع الاستبداد، والنهب والسرقة مع الاستحواذ على السلطة، مجسَّدًا في تصفية القطاع العام وعملية الخصخصة والقضاء على المصانع والصناعات الكبرى.

وعندما أصبحت شابًّا يهتم بالعمل العام، ويبدأ أولى خطوات المشاركة السياسية مع بداية حياته الجامعية، كان د. عزيز صدقي- غفر الله له- يعمل بجديَّة، ويصل الليل بالنهار مع الرئيس السادات وفريق عمل من كافة الاتجاهات السياسية، ويترأَّس وزارة مصر للإعداد للحرب، وقد قام بهذه المهمة على خير وجه، وإذا تم تسجيل تاريخ مصر بنزاهة ودقَّة، فإن الجهد الذي بذله ذلك الرجل مواصلاً الليل بالنهار بتفانٍ وإخلاصٍ سيكون في مقدمة الجهود، بجانب القرار السياسي الإستراتيجي لشنِّ الحرب، وبجانب الأداء العسكري الرائع للقوات المسلَّحة المصرية، وأيضًا التضامن العربي غير المسبوق ولا الملحوق في حرب رمضان المجيدة.

لم يمنع فارق السن الكبير بين د. عزيز صدقي- رحمه الله- وبين جيلي من الناشطين من كافة التيارات الذين شاركوا في بناء الجبهة الوطنية للتغيير من الالتقاء في وجهات النظر، وقد نقل إلينا حماستَه بجانب خبرته، فيما كان ينتظر أن ننقل نحن إليه الحماسة والحيوية، فقط كنا نختلف حول مسألة التظاهر في الشارع لرفع الصوت عاليًا ضد سياسات القهر والظلم والفساد، وكثيرًا ما كان يداعبُنا- خاصةً لشخصي- حول عدم قدرته على تحمل ظروف السجن والاعتقال.

هذا رجل أحب مصر كل الحب، وبذل في سبيل نهضتها في شبابه وكهولته كلَّ الجهد لتنميتها، ثم لم يدخر أيَّ جهد في شيخوخته أواخر العمر من أجل مقاومة الظلم والاستبداد والفساد، فعلَّم الأجيال كيف تكون الوطنية الحقَّة والعمل الجادّ، ويقتضي الوفاء له الاستمرار على نفس الطريق.

رحم الله عزيز صدقي رحمةً واسعةً، وغفر له بقدر حبه وإخلاصه لوطنه، وتفانيه في خدمة شعب مصر إلى آخر لحظة في حياته.

برقيات سريعة
إلى جموع الأطباء والطبيبات..
كان حضورُكم للجمعية العمومية الطارئة مشرِّفًا، وكان إصرارُكم على الاستمرار في المطالبة بكادر خاص للأطباء رائعًا، المطلوب هو مواصلة الجهد والعمل معًا والتحلِّي بالنَّفَس الطويل والمشاركة الإيجابية حتى نحقِّق أمل الأطباء في كادر خاص يحسِّن أحوالَهم الحياتية والمعيشية.

إلى أخي وحبيبي إبراهيم الزعفراني وإخوانه خلف الأسوار..
للمرة الـ11 تم اعتقالُك، ولقد تشاركْنَا في زنزانة واحدة أو سجن واحد عدة مرات، ولكن لن ينسى الناس في مصر ولا في فلسطين أنكم اليوم معتقَلون بسبب قيادتكم التلقائية للمظاهرات الشعبية العفَوية، التي خرجت صبيحة إظلام العدوِّ لقطاع غزة، في تحرُّك عفوي يعبِّر عن مشاعر كل المصريين.

لك يا د. إبراهيم ولعلي بطيخ، وسعد زغلول، وعلي عبد الفتاح ولكل الـ240 معتقلاً ومحبوسًا في أعقاب هذه الانتفاضة الشعبية كلّ التحية والتقدير، ولمن يصرّون حتى الآن على استمرار اعتقالكم رغم التصريحات الرسمية المؤيدة لمطالب المتظاهرين كلّ العار!.

إلى أخي سناء أبو زيد وإلى الصديق مجدي مهنا..
لا أملك إلا رفع أكفِّ الضراعة إلى الله عز وجل أن يتم عليكما نعمة الصحة والعافية، وأن أطلب من كل القرّاء والمخلصين أن يلحُّوا على الله تعالى بالدعاء؛ فهو سبحانه الذي يمنح الصحة والعافية.. اللهم رب الناس، اذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا.

جعل الله مرضكما رفْعًا لدرجاتكما وتكفيرًا للذنوب، ويكفي حب الناس شفاعةً عند الله ليرفع عنكما البلاء.

إلى الأستاذ أسامة سرايا ومن نسج على منواله..
الخطيئة الكبرى لحماس هي إصرارُها على مقاومة العدو الصهيوني وعدم الاستسلام..؟!! اتقوا الله أيها الكتَّاب ولا تشوِّهوا صورة مصر كما ظهرت أثناء الحصار الظالم على شعب فلسطين.