مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الخميس، ٧ فبراير ٢٠٠٨

ماذا جرى في محادثات حماس ومصر؟


محمد جمال عرفة
"السرية" كانت هي الستار الذي غلف محادثات كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقادة حماس القادمين من غزة ومن دمشق من جهة، مع المسئولين المصريين من جهة ثانية، وهي (السرية) السبب وراء تضارب وغموض التصريحات الصادرة من كل طرف من الأطراف الثلاثة بهدف نسب نجاح ما لموقفه.
فالرئيس الفلسطيني تحرك -بفعل الضغوط الإسرائيلية والأمريكية- على طريقة الأفراح المصرية القديمة (كرسي في الكلوب) وركز على شروط تعجيزية تدور حول: عدم تعديل اتفاق المعابر وبقاء سيطرة الرئاسة فقط عليه، وغلق الحدود بالاتفاق مع مصر والتشدد مع من يخالف ذلك، وعدم التفاوض مع حماس قبل إنهاء انقلابها.
وبالمقابل تشددت حماس في مطالبها وهي تدرك أنها صعبة التنفيذ، خصوصًا في ظل حالة من الغضب المصري المتصاعدة على انتهاك حدودها لحد دخول مسلحين فلسطينيين ببنادقهم، بغرض أن تحصل في النهاية -عند التراجع عن هذه الشروط- على الهدف الأهم، وهو استمرار فتح الحدود أو التوصل لآلية لبقائها مفتوحة وعدم حصار غزة ما يعتبر مكسبا لها في نهاية المطاف.
ويلاحظ هنا أن شروط حماس التي بدأت تتنازل عنها مقابل بقاء استمرار فتح الحدود وفق أي صيغة فبدأت برفض الوجود الأوروبي؛ لأنه كان سلبيا ونتج عنه غلق الحدود بنسبة 85% من فترات فتحها على حد قول وزير الخارجية المصري السابق أحمد ماهر، ثم قبلت بالمراقبين الأوروبيين على ألا يمكثوا في إسرائيل وإنما غزة أو مصر كي لا يتعللوا بمنع إسرائيل لهم من المرور لمعبر رفح، كما قبلت بعودة عباس للسيطرة على المقار الأمنية في غزة.
أيضا رفضت حماس أي وجود لإسرائيل في المعبر عبر كاميرات المراقبة أو التحكم في فتح وغلق المعبر، وتشددت في هذا المطلب بصورة كبيرة، برغم تأكيدات القاهرة أن هذا أحد بنود اتفاق المعابر الحالي، وكانت هذه نقطة خلاف كبيرة بين الطرفين كما أكد موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس.
وجاء مطلب حماس الأبرز والأهم في المطالبة بتغيير اتفاق المعابر الحالي كليا وصياغته بطريقة أخرى، ومع أن القاهرة وعدت بإثارة ذلك دوليا، فهو مطلب صعب؛ لأن كافة الأطراف سترفضه خصوصا الرئيس عباس وإسرائيل وحتى أوروبا لرغبتهم جميعا في تنفيذ خطة حصار غزة وحكم حماس داخلها!.
أما القاهرة فالتزمت الصمت ولم تصدر أي تصريحات رسمية عن نتائج هذه المفاوضات الصعبة مع حماس وعباس؛ لأنه من الصعب أن تعلن اتفاقها مع مطالب عباس بشأن الإبقاء على معبر رفح مغلقا ومدارًا باتفاق المعابر القديم فقط باعتباره اتفاقا دوليا، وإلا عرضت الحدود لخطر الاجتياح البشرى مرة أخرى والصدام هذه المرة – نتيجة الشحن الإعلامي الداخلي ضد حماس وترويج أنباء عن خلايا فلسطينية مسلحة دخلت مصر – مع الجحافل الفلسطينية، فتحل بذلك محل سلطة الاحتلال في قمع أهالي غزة وحصارهم!.
ومن الصعب أيضًا أن تعلن القاهرة أنها وعدت حماس بتغيير اتفاقية المعابر الحالية بالتفاوض مع الأطراف الإسرائيلية والأوروبية وعباس، أو أنها -كما يقول قادة حماس- وعدتهم بتشغيل معبر رفح كمعبر فلسطيني ـ مصري خالص؛ لأن هذا لا يزال في علم الغيب والمفاوضات التي ستجريها مصر، فضلاً عن أن هذا المطلب يبدو مستحيلاً لوجود اتفاق دولي بالفعل بشأن معبر رفح ومخالفة القاهرة له معناه تعرضها لضغوط أمريكية وأوروبية وإسرائيلية.
معبر بإدارة هيئة وطنية
وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها (إسلام أون لاين.نت) من أطراف مختلفة أن الأمر الذي سعت حماس لترسيخه وتأكيده لدى المسئولين المصريين كحل وسط كان استمرار فتح الحدود بصورة دائمة عبر آلية اقترحتها حماس هي مشاركة كل الفصائل الفلسطينية في إدارته بما فيها فتح (قوات الرئاسة) وحماس (التنفيذية) وباقي الفصائل السبع الأخرى ضمن هيئة وطنية للإشراف على المعابر، بحيث يخرج المعبر من دائرة الصراع بين فتح وحماس ويبتعد عن الاستقطاب السياسي بينهما.
والمنطلق الذي تسعى حماس لتغليبه بفكرة استمرار بقاء المعبر مفتوحًا للتجارة بين غزة ومصر ولمرور الأفراد هو أن يزداد ارتباط غزة بمصر وبحركة التجارة معها تدريجيا لموازنة الحصار الإسرائيلي والتحلل تدريجيا من سيطرة تل أبيب على شئون الحياة في غزة بما يكسر الحصار عمليا، سواء بالاعتماد على مصر في التجارة مع غزة أو بتوفير الكهرباء لها (عبر خط الربط العربي السباعي الذي أصبح ثمانيا بفلسطين).
وقد حاول وفد السلطة الفلسطينية خلال زيارته لمصر أن يثير بدوره اعتراضه على هدف حماس في هذا الصدد بمنطق آخر يقول إن ما تسعى إليه حركة "حماس" بفصل قطاع غزة تجاريًّا عن إسرائيل، سيؤدي عمليًّا لفصل القطاع عن فلسطين، خصوصًا الضفة، ومن ثم سيعزز المخطط الصهيوني الرمي لتفتيت غزة عن الضفة وتوطين أهالي غزة في سيناء وتحويل مسئولية ومشاكل غزة لمصر، بيد أن "محمد نصر" عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأحد أعضاء وفدها في مفاوضات القاهرة الأخيرة، يرد قائلا: إن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، ولن يستطيع أحد أن يفصل غزة عن فلسطين، وأنه ما دام الاحتلال قائماً فهو الذي يتحمل المسئولية عن القطاع، وذلك حسب ما تمليه القرارات الدولية".
ويقول: إن فك الارتباط التجاري بين القطاع وإسرائيل، واستبداله بارتباط تجاري مصري، "أمرٌ نحن نسعى إليه، فمصر دولة عربية وإسلامية وهي، كما باقي الدول العربية والإسلامية، عمقنا الإستراتيجي"، حسبما نقل عنه المركز الفلسطيني للإعلام.
وقد حسم موسى أبو مرزوق القيادي في حماس هذا الجدال بقوله إن ما يتردد عن "الوطن البديل" -في سيناء- لا أساس له، وأنه "صيد صهيوني في الماء العكر، ومن يروجون هذه الأفكار يسعون لتجييش الرأي العام ضد حماس، وأن من يخض المقاومة لا يقبل بديلاً عن وطنه الفلسطيني".
نجحت أم فشلت؟
ويبقى السؤال هل نجحت مفاوضات حماس في القاهرة أم فشلت؟.. وهل الطابع السري الذي جرت فيه المفاوضات، والسرية التي لا تزال مضروبة على ما دار في المفاوضات، كلها مؤشرات على الفشل، برغم محاولات بعض قادة حماس الحديث عن نجاحات وأجواء إيجابية؟.
الواضح أن القاهرة متفقة مع حماس بشأن خطورة استمرار الحصار حول غزة، خصوصًا أن أحداث اجتياح المعبر وتفجيره الماضية كشفت خطورة ترك "الغلاية" الفلسطينية تحت نار الحصار بلا تنفيس، ولكن الأكثر وضوحًا هو أن القاهرة اكتفت بتطمينات ووعود لقادة حماس بنقل وجهات نظرهم بشأن ضرورة التوصل لاتفاقية جديدة للمعابر للأطراف الأخرى (إسرائيل وأمريكا وأوروبا)، وبشأن السعي لتحويل السيطرة على المعبر لمصر وفلسطين فقط.
فالقاهرة – عكس حماس – تتحرك وفق القرارات الدولية وتلتزم بها، وليس أمامها سوى تنفيذ اتفاقية المعابر السائدة الموقعة عام 2005، والتي تنص أيضا على سيطرة السلطة (قوات الرئاسة الفلسطينية) على المعبر، ولهذا فهي لم تلتزم أمام حماس بأي موقف خلاف ذلك واقتصر الرد المصري على الوعود بالتفاوض لتغيير هذا الوضع.
والخطوة الأهم –مصريا- كانت هي سعي القاهرة للمزج بين الموقفين، بالسعي لإقناع حماس بقبول عودة قوات الرئاسة الفلسطينية لإدارة المعبر (حماس وافقت على لسان الزهار على عودة هؤلاء كخبراء)، والسعي لترتيب حوار بين فتح وحماس ستكون أولى نتائجه إنهاء الحصار وأزمة المعابر، فضلا عن إقناع حماس بصعوبة الموقف المصري وحساسيته ما بين الرغبة في مساندة الفلسطينيين وفق طلبات حماس والالتزام بالقرارات الدولية.
وهذه الضبابية هي التي انعكست على تصريحات متفائلة تارة ومتشائمة تارة أخرى، على لسان قادة حماس عقب مغادرتهم مصر، كما انعكست على غموض الموقف المصري ما بين تيارات إعلامية تدعو للتشدد مع حماس وترفع شعار السيادة المصرية أولا، وتتهم حماس بتنفيذ مخطط صهيوني عبر اجتياحها الحدود، وتنشر أنباء -نفتها حماس- عن ضبط العديد من الخلايا الفلسطينية التي تستهدف القيام بتفجيرات في سيناء، وما بين تيار مصري آخر معارض يزعم وجود خطة مصرية للانتقام من حماس لسماحها باقتحام الحدود وإصابة جنود مصريين، عبر تشويهها إعلاميا، ورفض كل مطالبها فيما يخص تشغيل معبر رفح بدون السلطة الفلسطينية.
ونشير هنا لنقل وكالة الأنباء المصرية عن "مصدر فلسطيني" تأكيده أن وفد حركة "حماس" فشل في إقناع المسئولين المصريين الذين التقاهم في القاهرة بإعادة تشغيل معبر رفح دون أن تكون هنالك علاقة لهذا التطور بالعلاقة العضوية بين قطاع غزة والضفة الغربية وبالدور الرئيسي للشرعية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية في الإشراف على المعبر، وأن رسالة مصر لوفد "حماس" كانت واضحة وحازمة مما جعل استمرار المفاوضات بين الطرفين دون أي معنى!.
وبالمقابل أظهرت تصريحات أكثر من مسئول من وفد حماس التفاوضي بالقاهرة عن (التفاؤل) بشأن التوصل لاتفاق لتشغيل معبر رفح كمعبر فلسطيني - مصري خالص، وأن هذه كانت هي رؤية حركة "حماس" التي قدمتها للمصريين خلال المباحثات لتكون هي الرؤية المستقبلية للمعبر، مع الاتفاق مؤقتا على "تفاهمات وآليات" لتشغيل المعبر وتنظيم عمله (مرور البشر والتجارة والمساعدات) والاتفاق بشأنها مؤقتا مع حكومة عباس لحين بحث إمكانية صياغة اتفاق معابر جديد، مع احترام السيادة المصرية ومنع تكرار ما حدث من احتياج سابق للحدود.
فبمقتضى اتفاق المعابر الموقع عام 2005 والذي ظل سائرًا حتى سيطرة حماس على غزة في يونيو الماضي كانت هناك رقابة أوروبية مباشرة على المعبر، ورقابة غير مباشرة من جانب إسرائيل عن طريق الكاميرات التلفزيونية، ومن الصعب الاستجابة لمطلبي حماس بإبعاد الأوروبيين أو الإسرائيليين بدون اتفاق آخر جديد يأخذ صفة الدولية والإلزام.
السيناريو المتصور بالتالي بعد هذه المفاوضات المارثونية بالقاهرة أن يعاد إغلاق الحدود باتفاق مصري حمساوي وهو ما تم بالفعل منذ مساء السبت، مع السماح بمرور البشر والتجارة عبر الحدود وفق تفاهمات وترتيبات دورية بين الطرفين، والتحرك في الوقت نفسه على المسار الفلسطيني لترتيب جلسات للحوار الوطني الفلسطيني، مع السعي لطرح صيغ مختلفة لاتفاق معابر جديد متوقع أن ترفضه أمريكا وإسرائيل وأوروبا؛ ما يعني عودة الوضع لما هو عليه مع فارق جوهري سعت له حماس ونجحت فيه، وهو تنظيم فتح الحدود بتفاهمات مع القاهرة ومنع تحول غزة لسجن كبير، وهو ما يعني خرق الحصار الصهيوني.
والأهم بالنسبة لحماس أنها حصلت على وعود من القاهرة أن تكون هي جزءًا من أي ترتيبات جديدة لمعبر رفح، كما قال أبو مرزوق، فضلا عن أن التعاون الأمني والسياسي بين مصر وحماس عاد بعدما توقف عقب انقلاب غزة وسحب مصر بعثتها الأمنية من هناك.
وهذا الوضع الجديد -أي تنظيم فتح الحدود- سيكون من مصلحة القاهرة؛ لأن الغلق المحكم للمعبر خلف وراءه بروفة "فوضى" غير معقولة على الحدود المصرية نتيجة الاجتياح البشري الذي يصعب السيطرة عليه سوى بالصدام مع العابرين بالقوة، كما أن تنظيم فتح الحدود ونقل المساعدات يقوي الموقف الدبلوماسي المصري، ويعيد للموقف المصري الدولي هيبته، فضلا أن هذا يساعد النظام على سحب البساط من تحت أقدام معارضيه، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين التي نزلت للشارع للمرة الثانية خلال عامين تقريبا، وأربكت النظام، والأهم أنه يجهض أي محاولات فلسطينية مقبلة لنسف وتفجير الحدود بما قد يواجه بصدام مصري مع حماس تكون له عواقبه في فوضى الحدود التي يخشى أن تنتقل لسيناء.
وهذا المكسب الذي تستشعر حماس أنها حصلت عليه أسرَّ به ضمنا أحد أعضاء وفد حماس حينما سئل عن سبب تفاؤله برغم عدم التوصل لشيء محدد، فقال: إنهم ضمنوا فتح الحدود مؤقتا بتفاهمات مع مصر، وضمنوا قيام مصر بإعداد ترتيبات جديدة لتيسير العمل في معبر رفح وعرضها على الرئيس عباس والأوروبيين وإسرائيل، "فضلا عن أنهم وعدونا (مصر) بأن حماس ستكون جزءاً من هذه الترتيبات الجديدة، ولن يتم تجاهلها في هذه الترتيبات بعد الآن؛ لأنها المسيطرة على الأرض، كما أن تجربة اجتياح الحدود أصبحت سياسة شعبية يمكن أن تتكرر سواء في رفح أو إيريز لاحقا أو غيرها من المعابر التي تسيطر عليها تل أبيب نفسها