مرحبا بكم ... انت الصديق رقم

الثلاثاء، ٢٦ فبراير ٢٠٠٨

فوائد دعوية من قواعد الفقه الكلية


بقلم :أبوالعزايم عبدالحميد
اليقين لا يزول بالشك
لم تقتصر القواعد الفقهية فى ضبط العبادات والمعاملات وعدم اضطرابها فحسب بل ساهمت أيضا فى اتزان شخصية المسلم واستقرارها والحفاظ عليها من الأوهام والإضطرابات حتى خرجت لنا شخصية مستقرة ناضجة عملت فى إخراج حضاره مشرقة عبر التاريخ ومن أبرز تلك القواعد قاعدة اليقين لا يزول بالشك
أوردها السيوطي فى القاعدة الثانية من كتاب الأشباه والنظائر وهذه القاعدة تدخل فى جميع أبواب الفقه والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وهذه القاعدة مستخرجة من أدلة ثابتة من القرآن وسنة النبى صلى الله عليه وسلم يقول تعالى(إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) ويقول سبحانه(إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) .
ويقول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه مسلم من حديث ابى هريرة(إذا وجد أحدكم فى بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) يقول الإمام النووى فى شرح هذا الحديث*إنه أصل من أصول الإسلام ما ثبت بيقين لاينصرف عنه إلا بيقين مثله*
ويقول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى(إذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن) .
مضمون هذه القاعدة أن ما يثبّت بيقين لا يزول إلا بيقين ولا يزول بمجرد الشك ولا يكون المسلم أسيرا للوساوس والأوهام وقد ُبنى على هذه القاعدة مصدراً كاملا من مصادر الفقه وهو الاستصحاب ومعناه استصحاب ما ثبت فى الماضى الى الحاضر وكان من استقراء الاصول الثابتة التى تستصحب فى الحاضرولا ينصرف عنها إلا بيقين القواعد التى رسمت منهاجا متماسكا أمام المسلم من هذه القواعد الأصل بقاء ما كان على ما كان. ومن أمثلة ذلك من تيقن الطهارة وشك فى الحدث فهو متطهر ومن تيقن الحدث وشك فى الطهاره فهو محدث فالأصل بقاء ما كان على ما كان.
الأصل براءة الذمه فمن ادعى على آخردينا فعليه إثباته لأن الأصل براءة الذمه والمدعى خلاف الاصل عليه عبء الاثبات ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) ولم يقبل فى شغل الذمه شاهد واحد ما لم يعتضد بآخرأو يمين المدعى عليه ولذا أيضا كان القول قول المدعى عليه لموافقته الأصل
الأصل فى الأشياء الإباحة وأساس ذلك قوله سبحانه وتعالى (وسخرلكم ما فى السماوات والأرض جميعا منه) وقد خالف أبو حنيفه فى ذلك فقال الأصل فيها التحريم وفائدة إعلان ذلك فى المسكوت عنه فمن قال بالأصل فى الأشياء الإباحة كان المسكوت عنه من قبيل المباح ومن قال الأصل الحرمة كان المسكوت عنه حرام ويخرج على هذه القاعدة مسائل كثيرة فى الفقه ، منها الحيوان المشكل أمره فيه وجهان أصحهما الحل كما قال الرافعى علي القاعدة ومنه النبات المجهول تسميته قال الثورى بالحل على القاعدة ومنها مسألة الزرافه قال السبكى المختار حل أكلها لأن الأصل الإباحة وليس لها ناب كاسرفلا تشملها أدلة التحريم وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا له أصلا لا بحل ولاحرمه وصرح بحلها فى فتاوى القاضى حسين والغزالى .
ومن يلحق بها الأصل فى العادات الإباحة سواء فى اللباس والمسكن وطريقة الحياة فما لم يرد نص بالتحريم فى أي شيء منها فالأصل فيها الإباحة الأصل فى الأعراض التحريم وأساسه قوله تعالى(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فالأصل فى الأعراض الحرمه ولاتباح إلا بدليل ومن المسائل المخرجه على ذلك إذا تقابل فى المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة لأن الأصل التحريم ولهذا امتنعت الاجتهاد فى إذا اختلطت محرمة لنسوة قرية محصورات لأنه ليس أصلهم الإباحة وفيها من تحقق اسلامها فى بلادها وأنه لم يجر عليها رقٌ قبل ذلك فهذه لاتحل بوجه من الوجوه إلا بنكاح شروطه .
الأصل فى الأمور والصفات العارضة العدم وأساسه قوله تعالى ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) فالأصل فى الإنسان أنه لم يفعل الشيء ولذلك من شك هل فعل شيئا أم لا ؟ فالأصل أنه لم يفعله لأن الأصل العدم ومن فروع ذلك شك فى ترك مأمور فى الصلاة سجد للسهو وشك فى ارتكاب فعل النهى فلا يسجد لأن الأصل أنه لم يفعل المأمورفسجد للسهو والأصل أيضا أنه لم يفعل الفعل المنهى عنه كالأكل والكلام فلم يسجد للسهو ومن شك فى أثناء الوضوء أو الصلاه أو غيرها من العبادات فى ترك ركن وجبت إعادته لأن الأصل العدم . ولا يزول إلا بيقين ومنها أيضا القول قول نافى الوطء غالبا لأن الأصل العدم .
الأصل فى العبادات المنع لأنها قربة للرب سبحانه فتكون وفق ما أمر ومن ثم فلا يجوز فعل عمل عن سبيل العبادة والقربة . دون دليل وإلا كان بدعة محدثه
الأصل فى الكلام الحقيقة ولايعار الى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة ومن أمثلتها (قال وقفت هذه الدار على حفاظ القرأن الكريم لم يستفد منها من كان حافظا للقران الكريم ونسيه لأنه لا يطلق عليه حافظ إلا مجازاً بإعتبار ما كان ومنها أيضاً لو حلف ألا يبيع أولا يشترى لم يحنث فى هذا اليمين إذا أوكل من يبيع له ويشترى حملا للفظ على الحقيقة وفيها لو حلف لا يأكل من هذه الشاة حنث بالأكل من لحمها دون الأكل من لبنها لأنه الحقيقة.
ومنها ايضا قاعدة لا عبرة بالظن الذى ظهر خطؤه فلو صلى ظنا منه أنه متوضأ ثم ظهر أنه غير ذلك لم تصح صلاته ولو أكل ظنا أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب فسد صومه ولو أنفق على المطلقة بائنا ظنا أنها حاملا ثم ظهر انها حائلا استرد ما دفعه وهكذا وذلك كله مبنى على إذا ظهر اليقين فلا عبرة بالشك فلا يزول إلا بيقين.
وكما قدمنا هذه القاعدة وفروعها تدخل فى جميع أبواب الفقه ويتخرج عليها من المسائل ثلاثة أرباع الفقه :
ولاشك أن سير المسلم فى عباداته ومعاملاته طبقا لهذه القاعدة وفروعها قد أكسبه ملكة يستطيع أن يسير بها فى كافة نواحى الحياة ليس فى العبادات فحسب وما أحوج الصف الدعوى ان تنشر فيه تلك الثقافة المنتشرة من هذه القاعدة فتصبح جزءا من شخصية أبناءه فلا يتبعون الظن ولا يسيرون نحو الأوهام ولا تحركهم مجرد الشكوك وإنما يتحركون من مواقف ثابتة لا تزول إلا بيقين آخر شعرت بحاجة ملحة إلى نشر تلك الثقافة فى واقعنا الدعوى فى أوقات كثيرة تضطرب الأمور وتنشر الشائعات ونجد من يسمع ويسير ولا يحقق فى بعض الأوقات فى ظرو ف الإنتخابات مثلا نشرت الشائعات بأن المرشح قد تنازل وانسحب فترى كثير من الأخوة قد قعدوا وكفوا عن الوسائل الدعوية فى تزكية والدعاية لهذا المرشح وعندما تسأل يقول إنه انسحب هل علمت انسحابه بيقين حتى تكف عما كنت تقوم به من عمل أم تركت اليقين لمجرد الشك أو لاحتمال ويمكن أن نرى بعض الأخوة يستنبط من الأحداث أو يقرأها قراءة ما سيتخلص أمرا ما يجعله أساس تكليفه الدعوى ولا شك أن ما استنبطه هو ظن لايمكن أن يؤثر فى ما عليه من يقين ولاأريد الإكثار من الأمثلة وإنما أردناه من هذه الدراسة مجرد تذكير بالقواعد والبناء عليها وليس الحكم عن حالات جزئية فإنها لاشك يخرج عليها الكثير من الجزيئات ويبقى تفصيل تلك القواعد فى واقع الصف الدعوى فى نطاقين:
الأول : تنظيف الأجواء الدعوية من الأوهام والخرافات والأعمال التى تبنى عليه والثبات على ما استقر بيقين
الثانى: التعامل مع الأفراد فى الصف على أساس تلك القواعد فالأصل براءة الذمة ولا تشغل الذمة إلا بدليل وليس على الظن فالأصل فى نية الأخ فى إنتظامه فى طريق الدعوة القربة والطاعة لأن هذا هو الظاهر فلا تكال الإتهامات جزافا بإنه ليس مخلص أوأراد كذا أو كذا حتى يثبت عكس ذلك بيقين والأصل فى الأفعال أنه لم يفعل فلا ينسب لإنسان فعل عن طريق الظن ولا ينسب لساكت قول على طريق الظن ولا تنسب له صفة على سبيل الظن أو الإهمال فالأصل فى كل هذا العدم الأصل أن الأخ بريء الذمة نقى السريرة فلا يعدل عن كل ذلك لمجرد الشكوك أو الظنون وهكذا .
ترى كم من الطهارة والشفافية تنتشر بين الآجواء الدعوية إذاسرنا على تلك القواعد واعتبرناها ثقافة ومنهج وجزء من شخصيتنا وطريقة تفكيرنا وتعاملنا مع الأشياء والأشخاص . لا يحتاج الأمرمنا أكثرمن أن نحفظ كلمتين اليقين لايزول بالشك.